النخبة الحضرمية.. الجدار الأخير لحضرموت في وجه خناجر الداخل

الأحقاف نت | تقرير خاص

في الوقت الذي تتجه فيه حضرموت شرق اليمن لأن تكون المنارة الأخيرة للدولة في خريطة الفوضى، تُفتح أبواب جحيم جديد على هذه المحافظة التي أنهكتها المصالح الخارجية وتكالبت عليها الطموحات، ليس من ميليشيات وافدة أو جماعات إرهابية، بل من داخلها، من أدوات كانت يومًا تدّعي الغيرة على الأرض، ثم سلّمتها لـ”قانون البندقية” والابتزاز القبلي.

قوات النخبة الحضرمية، القوة الأمنية الأهم التي صانت ساحل حضرموت من السقوط ورفعت راية النظام بعد سنوات من الغياب، تواجه اليوم حرب استنزاف معنوية وميدانية، قادتها ما تُعرف بتشكيلات “مخيم الهضبة” بقيادة المدعو عمرو بن حبريش، في محاولة لتقويض ما تبقى من شكل الدولة وإحياء شريعة الغابة.

قال الإعلامي هاني العامري في تصريح خاص لـ”الأحقاف نت”:

“ما تتعرض له قوات النخبة الحضرمية اليوم هو طعنٌ مباشر في خاصرة الدولة. هذه القوة التي أعادت لحضرموت هيبتها، باتت مستهدفة من جهات تعتاش على الفوضى، وتحاول فرض سلطة بديلة عبر سلاح القبيلة والفوضى الموجهة، وما يُسمى بمخيم الهضبة لا يمثل حضرموت، بل يمثل خيانة صريحة لمشروعها الوطني”.

تأسيس النخبة الحضرمية ومحطات ما بعد التحرير

في أعقاب تحرير المكلا وساحل حضرموت من تنظيم القاعدة، شرعت المنطقة العسكرية الثانية بقيادة اللواء فرج سالمين البحسني – في حينه – بتأسيس قوات النخبة الحضرمية، التي اعتمدت في تكوينها على الكوادر المحلية من أبناء حضرموت، وتم تدريبها وتأهيلها بدعم من التحالف العربي، وتحديدًا من دولة الإمارات.

خلال الفترة من 2016 إلى 2025، أعادت هذه القوة ضبط الإيقاع الأمني في مدن الساحل، وطهّرت الموانئ والمطارات، وفرضت القانون على الطرق والمنافذ، ما جعل من حضرموت منطقة جاذبة للاستثمار، ووجهة آمنة للوفود الدبلوماسية.

مسؤولون أمميون وسفراء دول غربية زاروا المكلا وامتدحوا علنًا النموذج الأمني الذي أسسته النخبة، في تقارير دولية ومحاضر رسمية.

وأكد الإعلامي صالح باوسيم في تصريح للـ”الأحقاف نت”:

من يعرف حضرموت قبل النخبة، ويراها اليوم، يدرك أن الأمن لا يأتي بالشعارات ولا بخيام العصيان، بل برجال صدقوا. النخبة الحضرمية لم تطارد عناصر القاعدة فقط، بل طاردت شبح الفوضى من كل زاوية أما من يُنصب النقاط المسلحة الآن، فهو يسعى لإعادة حضرموت إلى زمن (الشر المباح)، حيث لا قانون ولا عدالة”.

كيف يُعيد تشكيل ‘حماية حضرموت’ شبح الفوضى ويقوض ركائز الدولة

في ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤، خرج المدعو عمرو بن حبريش العليي – بصفته زعيمًا لـ”حلف مخيم الهضبة” – ليُعلن عن ما وصفه بـ”تشكيل قوة حماية حضرموت”، خارج الأطر الرسمية وبدون أي تفويض من الدولة أو مؤسساتها الأمنية، في قنبلة موقوتة تهدد ما تبقى من الدولة في ساحل حضرموت، وتفتح الباب على مصراعيه لصراع داخلي قد يُعيد المحافظة إلى فوضى ما قبل 2016، ووفقًا للقانون اليمني رقم (67) لسنة 1991 بشأن الخدمة في القوات المسلحة والأمن، فإن إنشاء أي تشكيل مسلح خارج إطار وزارتي الدفاع والداخلية يُعتبر عملًا متمردًا، يعاقب عليه القانون باعتباره مساسًا بهيبة الدولة وتقويضًا لسلطتها، ولا توجد مادة قانونية واحدة تمنح قبيلة، أو حلفًا قبليًا، أو شخصية اجتماعية، صلاحية تشكيل قوة مسلحة، حتى ولو كانت موجهة ضد “الفراغ الأمني” – لأن ذلك ببساطة اختراق لسيادة القانون وليس حلًا له… كما تنص المادة (5) من قانون الجرائم والعقوبات على أن تكوين جماعات مسلحة غير نظامية يعادل الشروع في عمل عدائي ضد الدولة، ويُعامل كتمرد مسلح، وهناك تجارب للتاريخ القريب حافلة بأمثلة قاتلة لقوى مشابهة، حيث بدأ الحوثي تشكيل قوات موازية للجيش باسم “اللجان الشعبية”، وادّعى أنها لحماية الثورة، في أقل من عام، اجتاح صنعاء، أسقط الدولة، وبدأت حرب استنزاف حتى اليوم.

وتابع الإعلامي باوسيم للـ”الأحقاف نت”:

حلف مخيم الهضبة ليس أكثر من خيمة على فوهة برميل بارود، لأنه مشروع غامض لا يحمل برنامجًا، ولا يحترم دولة، ولا يعترف بقانون، ويستبدل المؤسسات بالعقال، ويقدّم الفوضى على أنها سيادة والنخبة الحضرمية هي الجدار الأخير، ومن يسعى لهدمه إمّا أعمى أو عميل”.

حين تُصبح الطرق مصائد والقبائل ميليشيا

منذ مطلع 2024، انزلقت حضرموت إلى قبضة فوضى ممنهجة، حين شرع ما يُعرف بـ”حلف مخيم الهضبة” في إنشاء نقاط مسلحة خارجة عن القانون، تحوّلت إلى مصائد يومية للمواطنين، يُفتّشون ويُهانون ويُبتزّون من قبل مسلحين لا صفة لهم سوى الولاء للمدعو عمرو بن حبريش، ذروة هذا الانفلات كانت في يوم الجمعة، 3 يناير 2025، شهدت منطقة ميفع التابعة لمديرية بروم ميفع في محافظة حضرموت حادثة إطلاق نار عشوائي من قبل مسلحين ينتمون إلى حلف قبائل حضرموت، مما أسفر عن إصابة ثلاثة مواطنين بجروح متفاوتة، فقط لأنهم عارضوا مطلبهم، لم يكونوا يحملوا سلاحًا، لم يُخالفوا النظام، لكن الرصاص سبقتهم، ثم اتسع الانهيار ليبلغ الاقتصاد، حيث امتهنت النقاط القبلية تقطيع طرق النفط وشحنات الإمداد والكهرباء.

وعلّق محلل سياسي حضرمي رفض الكشف عن أسمه في تصريح خاص للـ”الأحقاف نت”:

“ليست كل نقطة تحمل بندقية تُسمى أمنًا، ولا كل شيخ يصرخ يُعد قائدًا، هناك من بنى الأمن بالانضباط، وهناك من يسعى لهدمه بالفوضى، والنخبة الحضرمية وضعت حضرموت على خريطة الأمان، بينما حلف الهضبة يريدها غنيمة مقسّمة بين عقال العصابات”.

اللجنة الأمنية تكسر حاجز الصمت

أمام هذا الانهيار الأمني المتصاعد، عقدت اللجنة الأمنية في محافظة حضرموت اجتماعًا طارئاً، وخرجت ببيان شديد اللهجة وصف ما يجري بأنه “تمرد خطير يهدد السلم الاجتماعي”، محذّرة من تبعات عسكرة القبيلة وتجاوز القانون.

البيان وصف قوات النخبة الحضرمية بأنها “الركيزة الأمنية التي صنعت الفارق”، مطالبًا بوقف الاستهداف السياسي والإعلامي ضدها، وتفكيك كل النقاط غير الشرعية، ومحاسبة المحرّضين على إشعال الفتنة.

وأوضح الناشط نعيم البحسني لـ”الأحقاف نت”:

“من يسعى لهدم النخبة إنما يسعى لهدم آخر ما تبقى من مؤسسات الدولة في حضرموت، مخيم الهضبة ليس صوتًا للقبائل، بل مشروع لتقسيم الولاءات وتشظية القرار الأمني تحت شعارات خداعة”.

وتابع الناشط البحسني للـ”الأحقاف نت”:

ولو كانت حضرموت تملك ما تملكه بعض المحافظات من ميليشيات، لابتلعتها النيران منذ سنوات، لكن وجود النخبة الحضرمية كبّد كل مشاريع العبث خسائر سياسية كبيرة وما يفعله حلف الهضبة اليوم هو محاولة لاغتيال هذه الحقيقة بأدوات التضليل والسلاح غير الشرعي”.

المعركة ليست بين أبناء حضرموت.. بل بين مشروع دولة ومشروع غابة

لم تعد القضية اليوم “خلافًا سياسيًا”، بل معركة فاصلة بين مشروع وطني ينشد الأمن والاستقرار، تمثّله النخبة الحضرمية، وبين مشروع غامض يسعى لتحويل حضرموت إلى منطقة خارجة عن القانون تحكمها النعرة والزعامة القبلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى