من نموذج للأمن إلى ساحة تصفية حسابات.. كيف انزلقت حضرموت إلى نفق الفوضى؟

الأحقاف نت | تقرير خاص

بعد سنوات من تصدّر حضرموت مشهد المحافظات المحررة كأنموذج نسبي للأمن والاستقرار، تتجه اليوم بخطى متسارعة نحو دوامة صراع سياسي وعسكري تزداد حدته يومًا بعد آخر، في ظل تنافس محموم بين السلطة المحلية من جهة، وحلف قبائل حضرموت من جهة أخرى، على من يملك “حق القرار والسيادة” على أرض كانت آمنة.

السلطة المحلية التي فشلت لسنوات في تحسين الخدمات وتخفيف معاناة المواطن، وجدت نفسها اليوم منشغلة بصراع وجودي للبقاء في المشهد، متهمةً خصومها في الحلف بالانقلاب على النظام والمؤسسات، بينما يبرر الحلف خطواته بـ”تحرير القرار الحضرمي من التبعية”، لكنّ الحقيقة الواضحة هي أن كليهما زجّ بالمحافظة في نفق مظلم.

من التعايش إلى التناحر

بدأت بوادر الانفجار تتشكل منذ مطلع العام 2024، حين صعّد حلف قبائل حضرموت من نبرته ضد السلطة المحلية، متهمًا إياها بالفساد، الإقصاء، وتبعية القرار للخارج، وفي المقابل، ردّت السلطة المحلية باتهام الحلف بالتمرد وتبني أجندات مدعومة لتفكيك النسيج الاجتماعي وتمزيق المؤسسات.

سرعان ما تحولت الخلافات السياسية بين السلطة المحلية وحلف قبائل حضرموت إلى مظاهر تعبئة شعبية ومسلحة، رافقتها بيانات تصعيدية وخطابات متشنجة من كلا الطرفين، لتنتشر التشكيلات القبلية المليشياوية في المشهد، وتدخل حضرموت في حالة غليان غير مسبوقة، تدهور الوضع الأمني بشكل لافت، وظهرت من جديد مشاهد النقاط المسلحة، وحملات التحريض، لتُدفع المحافظة نحو فوضى مفتوحة. وفي ظل هذا العبث، يتساءل المواطن الحضرمي: ماذا جنيت من هذا التناحر؟ لا كهرباء، لا ماء، لا رواتب منتظمة، ولا حتى أفق لحل… تُغلق الطرق، تُنصّب الحواجز، تُرفع أعلام الولاءات الضيقة، بينما يغيب مشروع الدولة، ويغيب صوت العقل، وتُسحق المصلحة العامة تحت أقدام الطامعين في النفوذ.

السلطة المحلية: فشل مزمن وأداء كارثي

لا يمكن تبرئة السلطة المحلية من المسؤولية عن إشعال جذوة الصراع، فسنوات من الفساد الإداري، التهميش السياسي، والتعامل مع مؤسسات الدولة كإقطاع خاص، أفرزت احتقانًا شعبيًا واسعًا، كما أن ضعف الأداء في القطاعات الخدمية، وعدم فرض هيبة الدولة، والاعتماد المفرط على تمكين حزب معين، عزز فقدان الثقة.

الحلف بين شعارات شعبوية وأجندات متناقضة

في الجهة الأخرى، ورغم رفعه لشعارات الحقوق والمطالب المشروعة، وقع حلف قبائل حضرموت في فخ التجييش الفوضوي، واستخدم أوراق القوة الشعبية والعسكرية للضغط السياسي، ما خلق انقسامات حادة، وزاد من خطورة المشهد، خاصة مع دعواته المتكررة لتسليم السلطة للحلف، متجاوزًا القنوات الدستورية، ومهددًا باستنساخ سيناريوهات مناطقية بائسة.

مجلس القيادة الرئاسي: تأخر القرار.. ولكن!

وسط هذا الجنون السياسي والعسكري، بقي مجلس القيادة الرئاسي لعدة أشهر مكتفيًا بالمراقبة وإصدار بيانات عامة، ما سمح للأزمة أن تتضخم غير أن المجلس، وأمام الانهيار الحاصل، تحرك أخيرًا في خطوة مهمة بإعلانه تشكيل صندوق خاص لتنمية محافظة حضرموت، برئاسة شخصية وطنية محل إجماع واسع، اللواء الركن فرج سالمين البحسني – عضو مجلس القيادة الرئاسي ومحافظ حضرموت الأسبق.

الصندوق الأمل الأخير

إنشاء هذا الصندوق ليس مجرد قرار إداري، بل خطوة استراتيجية لإعادة توجيه بوصلة حضرموت نحو التنمية والاستقرار، بعيدًا عن صراعات المكونات القبلية والفصائل المتنازعة.

اللواء البحسني، المعروف بخبرته الإدارية والعسكرية وحنكته السياسية، يمثّل اليوم فرصة تاريخية لترميم ما تهدم، بشرط أن يُمنح الدعم الكامل والصلاحيات الكاملة، بعيدًا عن شبكات النفوذ والمحاصصة.

حضرموت ليست حلبةً لتصفية الحسابات

الصراع الدائر اليوم في حضرموت ليس إلا معركة نفوذ وامتيازات، دُفع فيها المواطن الحضرمي ثمنًا باهظًا من أمنه، قوته، وخدماته، السلطة المحلية والحلف كليهما فشلا في تغليب مصلحة الناس على المصالح الضيقة، وجرّوا المحافظة إلى حافة الانفجار.

وحده المشروع الوطني – الذي بدأ أولى خطواته بتشكيل صندوق تنموي مستقل – يمكن أن يُنقذ حضرموت من الغرق الكامل.

فهل تلتقط الأطراف المتنازعة هذه الفرصة؟ أم أن حضرموت ستبقى رهينة الطموحات الشخصية والرهانات الإقليمية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى