دور القبيلة السياسي في اليمن .. دراسة تحليلية لمركز الاحقاف للدراسات الاستراتيجية والإعلام

الأحقاف نت / خاص / 10 ديسمبر 2024م

اجراء مركز الأحقاف للدراسات الإستراتيجية والإعلام دراسة تحليلية حول “دور القبيلة السياسي في اليمن”، والقبيلة في العملية السياسية ظاهرة اجتماعية وسياسية معقدة ومتشعبة، تتجذر في عمق التاريخ والنسيج المجتمعي لكثير من المجتمعات.

وأشار مركز الأحقاف في الدراسة إلى أنه في كل الأحوال فقد تأثرت الدولة والقبيلة ببعضها بعضاً حتى في القوانين والتشريعات التي تصدرها الدولة.

وأبرزت الدراسة ومما لا شك فيه، أن خارطة التحالفات القبلية قد ساهمت في تغيّر ميزان القوى السياسي والعسكري، ففي المناطق الزيدية الشمالية تعاطف بعض أفراد القبائل إلى حد ما مع جماعة الحوثيين واليكم ابرز ماتناولته الدراسة :-

المقدمة

في أعماق التاريخ، حيث تتشابك خيوط الهوية والمصير، نجد القبيلة حاضرة بقوة، لتشكل نسيجًا اجتماعيًا وسياسيًا معقدًا. فمنذ فجر التاريخ، كانت القبيلة أكثر من مجرد تجمع عشائري، بل كانت دولة مصغرة، لها قوانينها وعاداتها وتقاليدها، ولها دور محوري في رسم ملامح المجتمعات في هذا السياق، نجد أن دور القبيلة في العملية السياسية ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو جزء لا يتجزأ من بنية العديد من المجتمعات، وخاصة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فالقرابة والانتماء القبلي شكلوا على مر العصور حجر الزاوية في بناء التحالفات السياسية، وتحديد الولاءات، وتوجيه مسار الأحداث اليوم، وفي ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، يظل سؤال دور القبيلة في العملية السياسية مطروحًا بقوة. فهل ما زالت القبيلة تحتفظ بنفس التأثير الذي كانت تتمتع به في الماضي؟ وما هي التحديات التي تواجهها في ظل تطور الأنظمة السياسية وتقدم المجتمعات؟.

المبحث الأول
الإطار النظري للقبيلة

1- تعريف القبيلة:
لقد نال موضوع القبيلة منذ ابن خلدون اهتماما كبيرا باعتبارها ظاهرة اجتماعية تجذّرت في أعماق التاريخ العربي، ولازال الاهتمام بها قائما إلى اليوم. فقد شكّلت أحد أهم البنيات التي لعبت دورا كبيرا في المجال الاقتصادي والديني وحتى السياسي.

2 ـ أهمية القبيلة في المجتمع اليمني:
1/ تعتبر القبيلة مصدر فخر واعتزاز، حيث يشعر الأفراد بالانتماء إلى تاريخ وثقافة مشتركة.
2/ تقوم القبائل بتحديد العلاقات الاجتماعية، وتنظيم الحياة اليومية من خلال العادات والتقاليد.
3/ تقدم القبيلة الحماية لأفرادها، وتساهم في تقديم الدعم المالي والمعنوي في الأوقات الصعبة.
4/ تلعب القبائل دورًا في فض النزاعات من خلال الأعراف القبلية، مما يسهم في الحفاظ على السلم الاجتماعي.
5/ تساهم القبائل في الأنشطة الاقتصادية من خلال الزراعة والتجارة، وتساعد في تنظيم الموارد.
6/ تمثل القبائل قوة سياسية، حيث يمكن أن تؤثر في اتخاذ القرارات والسياسات الوطنية.

3- الجذور التاريخية للقبيلة اليمنية:
عرفت كل المجتمعات الإنسانية (القبيلة) كشكل من أشكال الاجتماع البشري الذي ينشأ من تجمع عدد من الأسر التي ترتبط فيما بينها بصلات القرابة والعيش في مكان واحد.

المبحث الثاني
جذور النفوذ القبلي في اليمن

1- البنية الاجتماعية التقليدية:
تمثل القبيلة في اليمن الركيزة الأساسية في التركيبة الاجتماعية في الجمهورية اليمنية ومن المعروف أن كثيرا من القبائل المنتشرة في أغلب الدول العربية وبعض الدول الأسيوية والأفريقية تنحدر من أصول يمنية سواء منها القبائل التي هاجرت من اليمن بعد انهيار سد مأرب في عصر الحضارة السبئية القديمة أو التي هاجرت في صدر الإسلام بغرض الجهاد والفتوحات الإسلامية.

2- الطبيعة الجغرافية:
استراتيجيات الدول تفرضها ثوابت الجغرافيا أولاً، ثم تحركها دواعي التاريخ ثانياً، ربما تكون الجغرافيا صماء، لكن ما أكثر ما كان التاريخ لسانها، ولقد قيل بحق أنّ التاريخ ظل الإنسان على الأرض، بمثل ما أن الجغرافيا ظل الأرض على الزمان تقع دولة اليمن جنوب غرب شبه الجزيرة العربية في غربي آسيا. وهي تفصل بين السعودية (شمالاً) والبحر العربي وخليج عدن (جنوباً)، وتتوسط عُمان (شرقاً) والبحر الأحمر (غرباً).
قبائل حمير(الهميسع): تتواجد في الضالع ,لحج,يافع,أجزاء من حضرموت وشبوة ومارب,أجزاء من صنعاء
قبائل حمير(قضاعة): تتواجد في المهرة,سقطرى,اجزاءمن حضرموت وشرق صعدة

العلاقة بين القبيلة والدولة

1- القبيلة والسلطة السياسية:
نشأت الدولة في مجتمع يمنيّ يتّسم بالطابع القبلي حيث كانت القبيلة مرتبطة بقوى الإنتاج، ما ساهم بأن تصبح القبيلة النواة الأساسية في تشكل الدولة اليمنية القديمة والحديثة. لم تكن الدولة السبئية أو الحميرية سوى اتحاد قبليّ، حيث تفرض القبيلة القوية سلطتها على قبائل متعدّدة وتجعلها تحت نفوذها كما أنّها تنشئ تحالفات مع قبائل أخرى لتشكّل بذلك كياناً سياسياً يُسمّى الدولة وحينما تنهار الدولة بسبب الصراعات وتنشأ دولة أخرى.

2- القبيلة والمجتمع المدني:
إن منظمات المجتمع المدني في أي مكان من العالم تعدُّ ضمانة لحقوق الأفراد والمجتمعات على مختلف انتماءاتهم وأعراقهم، لما لها من دور مهم في التأثير في نمط حياة المواطنين بمختلف المجالات والقطاعات، وهي تسهم ـ حسب الأنشطة والبرامج ـ في التخفيف من الضغوطات التي تمر بها البلاد.

3- التحالفات القبلية:
المكوّن القبلي ركيزة أساسية في التركيبة الاجتماعية اليمنية، ككياناتٌ معترف بها، لها أعرافها وتقاليدها الراسخة، والأهم من ذلك لها مسلحوها، نفوذ هذه القبائل لعب دورًا أساسيًا في المشهد السياسي اليمني خلال العقود الماضية وعلى مر التاريخ قدّر حكام اليمن الدور السياسي الهام للقبائل، فتحالفوا مرات معها، وحاربوها مرات أخرى، وإذا كان نظام حكم الأئمة في الشمال قد ارتكز على التحالفات القبلية واتبع نظام الرهائن الذي بموجبه كان يتم إيداع أبناء زعماء القبائل لدى الإمام لضمان عدم تمرّد قبائلهم.

المبحث الرابع
القبيلة والحياة السياسية المعاصرة في اليمن

1- دور القبيلة في المشاركة السياسية:
القبيلة في اليمن حافظت على بقائها لعدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، منها: اشتراك القبائل في السلطة، ودورها في الصراعات الداخلية إلى جانب المساعدات الخارجية، بالاضافة إلى قوة العادات والتقاليد والتضامن القبلي ونزعة الانعزال وانتشار الأمية.

2- التأثير على النزاعات:
منذ بدء الحرب، مرت القبائل اليمنية بعدد من المحطات، استطاعت فيها إثبات دورها وقوة تأثيرها في جميع الجوانب المتعلقة بأحداث الساحة اليمنية واستطاعت القبيلة اليمنية المحافظة على التوازن المجتمعي ومعالجة الأزمات والأحداث المفاجئة، التي وإن نجحت أخلّت بالأمن والاستقرار فيه ولم يقتصر دور القبيلة اليمنية على وأد الفتن والمحافظة على استقرار المجتمع وواصلت القبيلة اليمنية رفد جبهات القتال بآلاف الرجال في السنوات الماضية، ونفّذت آلاف المبادرات المجتمعية التكافلية.

المبحث الخامس
أبعاد تأثير القبيلة على العملية السياسية

1- الوساطة في النزاعات:
وفي هذا السياق، يجب الاستفادة من الوساطة القبلية في حل النزاعات المحلية، ودورها الكبير في المشاركة المجتمعية والمصالحة والحماية والأمن، حيث غالباً ما تكون الشبكات القبلية بمثابة مصدر حيوي للحماية والأمن داخل مجتمعاتها.

2- دور مشايخ القبائل:
يُعتبر شيخ القبيلة في اليمن شخصية محورية في النسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد. يمتلك مشايخ القبائل تأثيراً كبيراً على مجتمعاتهم، حيث يجسدون التقاليد والقيم القبلية التي تمتد لقرون، ويتولى الشيخ مسؤوليات متعددة، منها:
1/ حفظ السلم الاجتماعي
2/ توجيه المجتمع
3/ الدور السياسي
4/ الوساطة في النزاعات
5/ التأثير على القرارات السياسية

المبحث السادس
التحديات التي تواجه دور القبيلة

تُعتبر القبائل في اليمن جزءًا أساسيًا من التركيبة الاجتماعية والسياسية، حيث لعبت تاريخياً دورًا مهمًا في الحياة العامة. ومع ذلك، فإن التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد اندلاع النزاع المسلح، قد فرضت تحديات كبيرة على هذا الدور ومن أبرز التحديات الرئيسية التي تواجه القبائل في سياق العملية السياسية في اليمن.

1- التحديات الأمنية والسياسية:
يمر اليمن بمرحلة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي، مما يؤدي إلى تفكك الروابط القبلية واستمرار الصراعات المسلحة تعيق قدرة القبائل على العمل كجهات وساطة أو دعم للاستقرار.

2- تحديات اقتصادية:
تواجه العديد من القبائل تحديات اقتصادية، حيث أدى النزاع إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. هذا الضغط الاقتصادي يشتت انتباه القبائل عن المشاركة السياسية ويزيد من الاعتماد على المساعدات الخارجية.

3- تراجع دور الدولة:
مع تراجع قدرة الدولة على القيام بوظائفها، تتولى القبائل مسؤوليات جديدة مثل تقديم الخدمات وحل النزاعات.

4- التحديات الاجتماعية والثقافية:
تشهد المجتمعات اليمنية تغيرات ثقافية بفعل العولمة والتكنولوجيا. الأجيال الجديدة قد لا تتبنى نفس القيم القبلية، مما يؤدي إلى تراجع الولاءات التقليدية.

5- ضعف التمثيل السياسي :
تفتقر العديد من القبائل إلى التمثيل الفعّال في الهيئات السياسية.

المبحث السابع
ايجابيات وسلبيات دور القبيلة

الإيجابيات:
تعمل القبيلة على تعزيز الروابط الاجتماعية بين أفرادها، مما يساهم في دعم المجتمع بشكل عام ويمكن أن تمثل مصالح المجتمعات المحلية، ويصال صوتهم في الساحة السياسية.

توفر القبيلة الحماية لأفرادها، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى وجود قوي للسلطات الرسمية في بعض الحالات، توفر القبائل نوعًا من الاستقرار النسبي في المناطق التي تفتقر إلى حكومة مركزية فعالة.

السلبيات:
يمكن أن تؤدي الولاءات القبلية إلى تقسيم المجتمع وتعزيز الصراعات بين الجماعات المختلفة وتغليب المصالح القبلية على المصلحة الوطنية، مما يعيق التنمية السياسية والاجتماع تؤدي القبائل إلى تعزيز الانقسام بين المجتمعات، مما يعيق الوحدة الوطنية. وتأثير محدود على الديمقراطية فان القبائل قد تضعف المؤسسات السياسية الرسمية، مما يعيق التطور الديمقراطي وتفشي العنف وتطور النزاعات القبلية وهذا يتحول إلى صراعات مسلحة تؤثر سلباً على السلم الأهلي والتنمية.

الخلاصة

اليمني مجتمع قبليٌّ عشائري منذ القدم، وبلغة بسيطة يمكننا القول: إن القبيلة اليمنية تتكون من مجموعة من الأشخاص يعيشون في نطاق جغرافي محدد، ويجمع بينهم رابط العرق أو النسب، ويبدو ذلك واضحًا من خلال أسماء المنتمين لتلك القبائل التي غالبًا ما ترتبط ألقابهم العائلية باسم القبيلة التي ينتمون إليها. هناك العديد من الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية تناولت مفهوم القبيلة عمومًا والقبيلة اليمنية خصوصًا، ومعظمها ركزت على عنصر القرابة أو الانحدار من أصل سلالي واحد كتعريف للقبيلة.

تُعرف القبيلة اليمنية بأنها: مجموعة بشرية متضامنة، تشعر بانتسابها إلى أصل قرابي مشترك، تجمعها ثقافة وأعراف ومصالح مشتركة، تقطن أرضًا محدّدة، غالبًا، وتشكِّـل تنظيمًا اجتماعيًّا، وسياسيًّا، واقتصاديًّا، وعسكريًّا واحدًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى