من يتحمل تبعات العمليات العسكرية في البحر الأحمر؟ دراسة مقارنة يقدمها مركز الأحقاف للدراسات الأستراتيجية والإعلام

الأحقاف نت / دراسة / 9 مارس 2025م

تمهيدي

في 7 أكتوبر عام 2023، شنت حركة حماس في غزة عملية عسكرية ضد إسرائيل سُميت بـ”طوفان الأقصى”، جاءت ردًا على الاعتداءات المستمرة لقوى الاحتلال على الفلسطينيين. كانت هذه العملية مفاجأة كبيرة لإسرائيل، لكونها أضخم عمل عسكري تواجهه منذ حرب عام 1973. ولخصت حركة حماس الدافع وراء عملية “طوفان الأقصى” على أنها خطوة ضرورية واستجابة طبيعية لمواجهة ما تحاكه المخططات الإسرائيلية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بهدف التخلص من الاحتلال واستعادة الحقوق الوطنية وإنجاز الاستقلال والحرية كباقي شعوب العالم، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. ودعت حماس إلى وقف العدوان الإسرائيلي فورًا على قطاع غزة، والعمل الفوري على وقف الجرائم والإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وفتح المعابر وفك الحصار عن قطاع غزة، وإدخال المساعدات وتوفير كل مستلزمات الإيواء وإعادة الإعمار.

سياق متصل

على إثر العملية التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، أدت الحرب التي نشبت إلى تبعات في المنطقة، خاصة بعد تدخل الحوثيين في إطار ما يُسمى “وحدة الساحات” في الصراع بين إسرائيل وحماس. في البداية، أطلق الحوثيون صواريخ ومسيرات مفخخة ضد ميناء إيلات في إسرائيل، دون أن تؤثر كثيرًا على عمليات الميدان. وفي مرحلة ثانية، انتقل الحوثيون إلى استهداف سفن تجارية على صلة بمصالح إسرائيلية، إما بصواريخ أو بمسيرات أو محاولات قرصنة، ما أدى إلى عرقلة خطوط الملاحة البحرية من خليج عدن صعودًا إلى مضيق باب المندب، وصولًا إلى البحر الأحمر. وبلغت الهجمات التي شنها الحوثيون في البحر أكثر من 52 هجومًا، وفقًا للقيادة البحرية الأمريكية، واستهدفت عددًا من السفن العابرة لمضيق باب المندب. وتراجع عدد السفن المارة عبر البحر الأحمر بنسبة 85% جراء التوترات السياسية المستمرة، في حين زاد عدد السفن المارة عبر مسار رأس الرجاء الصالح جنوب قارة أفريقيا مرورًا بالبحر العربي بأكثر من الضعف. وفقًا لبيانات وكالة الأناضول، فإن عدد السفن التي غيرت مسارها من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح وصل إلى 44 سفينة في اليوم الواحد، بينما كان يعبر حوالي 62 سفينة يوميًا في مسار البحر الأحمر قبل اندلاع الأزمة.

الأطراف المتأثرة في العملية

الهجمات التي شنتها الجماعة الحوثية على السفن العابرة للبحر الأحمر هي المحرك الأساسي لأزمة البحر الأحمر الحالية. وقد أصبح مضيق باب المندب، وهو نقطة اختناق استراتيجية تربط البحر الأحمر بخليج عدن، متقلبًا بشكل متزايد بعد الهجمات على ناقلات النفط وسفن الشحن في أوائل عام 2023. وتصاعدت هذه الهجمات، مما أجبر العديد من شركات الشحن على إعادة توجيه السفن عبر المسار الأكثر أمانًا ولكنه أطول وأكثر تكلفة، حول رأس الرجاء الصالح. لقد حولت هذه التوترات الجيوسياسية البحر الأحمر من ممر شحن حيوي إلى منطقة عالية المخاطر، مما أثر بشكل كبير على تكلفة الشحن العالمي وأقساط التأمين. وأدت الهجمات الحوثية على السفن المارة عبر المنطقة إلى تعطيل هذا الطريق الملاحي الرئيسي، ولم تؤدِ هذه الاضطرابات إلى تأخير الشحن فحسب، بل أيضًا إلى زيادة التكاليف والمخاوف البيئية بشكل أكبر.

من يتحمل تبعات عمليات البحر الأحمر؟

أزمة البحر الأحمر أثرت على مجموعة واسعة من الأطراف، بما في ذلك الدول الإقليمية الكبرى والشركات التجارية والاقتصاد العالمي. تبعات العمليات العسكرية في البحر الأحمر، من خلال الهجمات التي نفذها الحوثيون على السفن التجارية، يتحملها عدة أطراف، في مقدمتهم اليمن، الذي يتحمل المسؤولية الأكبر من هذه العمليات من الجانب العسكري أو السياسي أو الاقتصادي جراء تصعيد التوترات الحوثية في المنطقة. كما تتحمل الدول الإقليمية، وخاصة المطلة على البحر، تبعات اقتصادية وأمنية نتيجة لتعطيل حركة الشحن. كذلك تتأثر الشركات التجارية والاقتصادات العالمية جراء الاضطرابات في سلاسل الإمداد، مما يزيد من التكاليف والمخاطر.

تبعات العملية على اليمن

لم يكن اليمنيون ينعمون بالرخاء والسلامة قبل أن تبدأ أحداث البحر الأحمر، ولم يكونوا يعيشون في هناء قبل ذلك. لكن هجمات الحوثيين في البحر وما تلاها زادت من المعاناة وزادت من نكد العيش على المواطنين اليمنيين الذين يكابدون شظف العيش منذ اندلاع الحرب وحتى اللحظة. فالعنف السياسي وتفكك الدولة، الذي ساهم في صعود الحوثيين في اليمن، يتسبب الآن في فوضى أخرى على البحر الأحمر. إن الأضرار المترتبة على الأفعال التي يقومون بها تفاقم من معاناة الشعب اليمني.

تبعات العمليات على الدول المطلة على البحر الأحمر

مع تزايد التوترات والأحداث السياسية والأمنية في المنطقة، تتأثر الدول المطلة على البحر الأحمر بشكل مباشر. نظرًا لمرور أهم خطوط الشحن البحري عبره، فإن أي اضطراب في الأمن أو التجارة في هذه المنطقة قد يؤدي إلى تبعات اقتصادية جسيمة. تتعدد التبعات الاقتصادية لهذه العمليات في البحر الأحمر، حيث تشمل تأثيرات مباشرة على حركة التجارة العالمية، مثل تعطل الإمدادات أو توقف السفن التجارية، بالإضافة إلى تأثيرات غير مباشرة على الصناعات المحلية مثل السياحة والملاحة والصيد البحري. كما أن النزاعات الإقليمية قد تؤدي إلى حدوث ضعف في العلاقات الاقتصادية بين الدول، مما يهدد استقرار الأسواق في المنطقة ويزيد من تكاليف النقل والإمدادات.

تبعات العملية على شركات الشحن البحري

قرر العديد من شركات الشحن العالمية تجنب الملاحة في البحر الأحمر إثر تصاعد التوترات الجيوسياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط. ومع استمرار الاضطراب، ستواجه الشركات تحديات تتمثل في زيادة تكاليف التأمين، وانخفاض أمن السفن، والتأثيرات الأوسع على البيئة والمجتمع والحوكمة، من بين أمور أخرى. بعد أن قررت شركات عالمية كبرى زيادة أسعار الشحن لتجنب السير عبر البحر الأحمر وقناة السويس، أصبحت الناقلات وسفن الشحن تضطر للإبحار عبر طريق رأس الرجاء الصالح بدلًا من استخدام قناة السويس كطريق مختصر بين مناطق الشرق الأقصى والموانئ الأوروبية.

خلاصة الدراسة

تبعات العمليات العسكرية التي نفذتها الجماعة الحوثية على السفن في البحر الأحمر لا تقتصر فقط على اليمن أو على إسرائيل، بل شملت أيضًا الدول المطلة على البحر الأحمر والدول الإقليمية والدولية الكبرى، وكذلك الشركات العالمية التي تعتمد على المرور الآمن للسفن عبر هذه الممرات الحيوية. يعتبر البحر الأحمر من أبرز الممرات المائية الاستراتيجية في العالم، حيث يربط بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويشكل نقطة تقاطع حيوية في التجارة العالمية، خاصة عبر قناة السويس وباب المندب. لكن في الآونة الأخيرة، أصبح هذا الممر الحيوي مسرحًا لأزمات وصِراعات عسكرية متزايدة، وهجمات شنها الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر لدعم العملية العسكرية في غزة منذ نوفمبر 2023. هذه الهجمات التي استهدفت بشكل خاص السفن الإسرائيلية والسفن التجارية العابرة لهذا الممر، قد أسفرت عن تداعيات اقتصادية وأمنية ضخمة على مستوى المنطقة والعالم. تسببت تلك الأعمال العسكرية في تعطيل حركة الملاحة، مما أثر بشكل مباشر على سلاسل الإمداد العالمية ورفع تكاليف النقل البحري بشكل ملحوظ. وكانت اليمن لها النصيب الأكبر من تبعات هذه العمليات، حيث تعيش منذ سنوات في حرب أحدثتها المليشيات المدعومة من إيران، ليأتي التصعيد في البحر الأحمر ليفاقم مأساة اليمنيين. فالتصعيد العسكري الراهن، وتفاقم أزمة النقل البحري عبر البحر الأحمر وخليج عدن، أثر بشكل واضح في النشاط الملاحي للموانئ اليمنية، خاصة ميناء الحديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى