مركز الاحقاف للدراسات الأستراتيجية والإعلام يقدم دراسة حول “القوات العسكرية الجنوبية ودورها في مكافحة الارهاب”

الأحقاف نت / دراسة خاصة / 19 مارس 2025م

المقدمة

الإرهاب هو ظاهرة عالمية تؤثر على جميع أنحاء العالم بشكل مباشر أو غير مباشر، ويشكل تهديدًا للأمن والسلم في المجتمعات والدول. يُعد الإرهاب من أبرز التحديات التي تواجه الإنسانية في العصر الحديث، حيث يستخدم العنف والخوف لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية، ويستهدف المدنيين الأبرياء والمنشآت الحيوية من أجل التأثير على الحكومات والمجتمعات. تتعدد أساليب الإرهاب وتختلف من هجمات انتحارية إلى تفجيرات وعمليات مسلحة تستهدف المدنيين، مما يؤدي إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة.

الإرهاب لا يقتصر على أيديولوجية أو دين معين، بل قد يتخذ أشكالًا متعددة تعكس تنوع أسباب ظهوره، سواء كانت أسبابًا سياسية نتيجة للصراعات، أو شعورًا بالظلم الاجتماعي، أو حتى نزاعات دينية. إن تأثير الإرهاب لا يقتصر فقط على الأضرار المباشرة التي تلحق بالأفراد والمجتمعات، بل يمتد ليشمل تأثيرات طويلة المدى على استقرار الدول والنظم الاقتصادية والاجتماعية. كما يؤدي إلى انتشار حالة من الخوف والذعر، ويضر بالعلاقات بين الدول والشعوب. وقد أدى ذلك إلى ظهور استراتيجيات مختلفة لمكافحة الإرهاب على الصعيدين المحلي والدولي، بدءًا من الجهود الأمنية والعسكرية وصولاً إلى معالجة الأسباب الجذرية التي تساهم في انتشار هذه الظاهرة، مثل الفقر والتهميش والصراعات السياسية.

بداية ظهور الإرهاب في جنوب اليمن

منذ مطلع التسعينيات وحتى الآن، تعرض جنوب اليمن لمئات الهجمات الإرهابية التي تنوعت بين تفجيرات واغتيالات وخطف وسطو مسلح، مما أدى إلى مقتل الآلاف من الجنوبيين والأجانب على حد سواء. وكان جزء كبير من تلك العمليات الإرهابية الممنهجة مرتبطًا بتنظيمات دولية عابرة للحدود ومتعددة الجنسيات، مثل تنظيم القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات الجهادية، بالتنسيق مع أطراف محلية شملت قيادات سياسية وعسكرية ووجاهات دينية واجتماعية عليا في الدولة والمجتمع.

هدف المشروع المشترك لهذه التنظيمات كان تغيير نظام الحكم الجمهوري القائم وإقامة نظام حكم إسلامي، تمهيدًا للانطلاق إلى بقية دول المنطقة وإعلان قيام دولة الخلافة الإسلامية. نشأت نواة تنظيم القاعدة عام 1987 على يد عبد الله يوسف عزام على أنقاض ما كان يعرف بـ”المجاهدين” في أفغانستان الذين حاربوا الغزو السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي. تدرب الآلاف من الجهاديين في معسكرات التدريب التابعة للتنظيم، وقاموا بعد ذلك بعمليات في عدد من المناطق التي شهدت صراعات إقليمية أو حروبًا أهلية واضطرابات سياسية، مثل الجزائر ومصر والعراق واليمن والصومال والشيشان والفلبين وإندونيسيا والبلقان بين عامي 1992 و1996.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي، عاد معظم المجاهدين العرب إلى بلدانهم، لكنهم استقبلوا من قبل حكوماتهم بأجهزة الأمن والمخابرات، وتم إيداع الكثير منهم في السجون دون تهم سوى أنهم “الأفغان العرب” الذين غادروا بلدانهم بتشجيع دولهم لقتال عدو أمريكا آنذاك، الاتحاد السوفياتي. قبل إعلان أسامة بن لادن تأسيس تنظيم القاعدة تحت ما يعرف بـ”الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين” في نوفمبر 1998، شهدت اليمن تأسيس أول جماعة جهادية منظمة في منتصف عام 1997 بقيادة أبو حسن المحضار تحت مسمى “جيش عدن أبين الإسلامي”، الذي أعلن فيما بعد اعترافه بقيادة القاعدة. نفذ التنظيم عملية اختطاف 16 سائحًا غربيًا في 28 ديسمبر 1998، قُتل أربعة منهم خلال تحريرهم من قبل الأجهزة الأمنية. وبعد مقتل هذا القيادي، تولى قيادة التنظيم خالد عبد النبي، وبدأت السيرة الذاتية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمقره في اليمن، وخاصة في الجنوب.

دور القوات المسلحة الجنوبية في مكافحة الإرهاب

منذ استقلال الجنوب في 30 نوفمبر 1967 وتحرير أرضه من الاحتلال البريطاني، تأسس الجيش الجنوبي الذي اعتبر من الجيوش المهابة بقدراتها العسكرية الضاربة في منطقة الشرق الأوسط. توجهت دولة الجنوب إلى استكمال بناء القوات المسلحة الوطنية من خلال ابتعاث آلاف الكوادر من أبناء الجنوب للدراسة في الخارج في أكاديميات وكليات ومعاهد الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى.

دور دولة الجنوب في حفظ الأمن القومي والإقليمي والدولي (1967-1990)

تميزت الدولة الجنوبية بعد قيامها في 30 نوفمبر 1967 ببناء المؤسسات الأمنية والعسكرية على أحدث النظم والطرق في حفظ الأمن وسلامة السيادة على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي. عززت هذه الخاصية لدولة الجنوب في وضع قوانين تحفظ سلامة المواطن والممتلكات العامة والخاصة من أي أعمال تخريبية.

الجنوب في مواجهة التنظيمات الإرهابية (1990-1994)

عارضت التنظيمات الإرهابية القادمة من أفغانستان قيام الوحدة اليمنية بدعوى دينية، حيث اعتبرت أن الوحدة مع دولة ليست إسلامية (كما كان ينظر للجنوب) كفرًا وتهديدًا للإسلام. لكن علي عبد الله صالح عقد تحالفات استراتيجية مع هذه التنظيمات، اشترط فيها تصفية الناصريين القوميين في صنعاء، الذين كان يعتقد أنهم يشكلون خطرًا على الإسلام. تأسس حزب التجمع اليمني للإصلاح في 1990 كذراع سياسية لكيان ديني، وخلال هذه الفترة وصل الأفغان العرب العائدون من أفغانستان إلى الجنوب وأصبحوا أداة مفيدة بيد صالح ضد الاشتراكيين والجنوبيين، وشكلوا بذور ما أصبح لاحقًا تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

التعاون مع القوات الجنوبية في مكافحة الإرهاب (1995-2025)

بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، وُصف اليمن على الساحة الدولية بأنه مركز للإرهاب. استغل تنظيم القاعدة الحالة السياسية الهشة في اليمن وما نتج عنها من فراغ أمني وعدم استقرار مزمن، وتواطأ النظام السابق معهم لتنفيذ هجمات إرهابية متعددة.

معركة السيوف الذهبية

في 12 يونيو 2012، أعلنت القوات الجنوبية عن عملية عسكرية لتطهير مدينتي جعار وزنجبار في محافظة أبين من تنظيم القاعدة، بعد عام من سيطرة التنظيم عليها. قاد العملية اللواء الركن سالم علي قطن بدعم من اللجان الشعبية الجنوبية ورجال القبائل. تم تحرير المدينتين بعد سنة من تسليمهما من قبل سلطة صنعاء لعناصر القاعدة، التي حولتهما إلى إمارتين وارتكبت جرائم بحق الأهالي.

معركة تطهير عدن

هي عملية امتداد لمعركة السيوف الذهبية، نفذتها القوات الجنوبية واللجان الشعبية بمساندة قوات التحالف العربي ضد المليشيات الحوثية بعد اجتياح عدن في 2015. توجت المعركة بإعلان تحرير عدن بشكل كامل في 22 يوليو 2015، وإعادة فتح مطار عدن الدولي.

تحرير المكلا

في 2016، تمكنت القوات الجنوبية بالتعاون مع القوات الإماراتية من تحرير مدينة المكلا من سيطرة القاعدة بعد عام من احتلالها. كانت المكلا مركزًا رئيسيًا للتنظيم، حيث استغل الميناء لتمويل عملياته.

معركة السيف الحاسم

في 26 فبراير 2018، نفذت القوات المسلحة الجنوبية عملية عسكرية جديدة ضد عناصر القاعدة في مديرية الصعيد بمحافظة شبوة، بدعم من القوات الإماراتية. تم تحرير مديريات الصعيد ودحر القاعدة من مواقع حيوية ومنابع النفط والغاز.

عملية سهام الشرق

في أغسطس 2022، أطلقت القوات المسلحة عملية عسكرية لتحرير محافظة أبين من الجماعات الإرهابية، مما أسفر عن تقليص نفوذ التنظيمات الإرهابية واستعادة الأمن في عدة مناطق استراتيجية.

عملية سهام الجنوب

بعد أيام من إطلاق عملية سهام الشرق، أطلقت القوات المسلحة الجنوبية عملية أخرى تحت عنوان “سهام الجنوب” لتحرير محافظة شبوة من الإرهاب.

الإنجازات التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية في مكافحة الإرهاب

أثبتت القوات المسلحة الجنوبية قوتها وكفاءتها في مكافحة الإرهاب، حيث تمكنت من تحرير العديد من المناطق مثل شبوة وأبين وحضرموت، والتي كانت معاقل رئيسية للقاعدة.

التحديات التي تواجه القوات الجنوبية في مكافحة الإرهاب

تواجه القوات الجنوبية تحديات كبيرة، بما في ذلك التضاريس الوعرة والتعاون بين الجماعات الإرهابية.

التعاون بين الجماعات الإرهابية

استغلت الجماعات الإرهابية حالة الفوضى بعد الثورة اليمنية في 2011، وحاولت توسيع نفوذها في الجنوب.

تحريف انتصارات الجنوب على الإرهاب

حققت القوات الجنوبية انتصارات مهمة في المعركة ضد الإرهاب، مما ساهم في تأمين استقرار الجنوب وحماية المدنيين.

الخلاصة

سطرت القوات الجنوبية دورًا أساسيًا في مكافحة الإرهاب في الجنوب، بدعم من التحالف العربي. تمكنت من تحرير العديد من المناطق وتكبيد التنظيمات الإرهابية خسائر فادحة. تواجه القوات الجنوبية تحديات كبيرة تتطلب تنسيقًا إقليميًا ودوليًا أكثر فعالية لمواصلة الجهود ضد الإرهاب وتعزيز استقرار المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى