قراءة في المشهد السياسي الحضرمي: تحليل أنور التميمي

خاص / الأحقاف نت

في تحليلٍ عميق للمشهد السياسي في حضرموت، أشار الإعلامي والمستشار السياسي أنور التميمي إلى أهمية توصيف الحالة الراهنة وفهم الخطاب السياسي للأطراف المختلفة في المحافظة. حيث اعتبر أن الحديث عن مبادرات لم الشمل يصبح غير ذي جدوى ما لم يتم تشخيص الوضع القائم.

وأوضح التميمي أن العديد من المبادرات التي سعت لتجنيب حضرموت الفتنة لم تتطرق إلى التوصيف الحقيقي للحالة، وذلك حرصاً من أصحابها على عدم الانحياز لأي طرف، مما أدى إلى حالة من الضبابية. وأكد أن النجاح في تحقيق لم الشمل يتطلب قراءة دقيقة للمواقف المعلنة وغير المعلنة للأطراف المعنية، من أجل توضيح مواضيع الخلاف وتعزيز المشتركات.

وأكد التميمي على ضرورة أن تقوم السلطة المحلية، ممثلة بالمحافظ مبخوت بن ماضي، بإعادة تقييم العلاقة مع مجلس القيادة الرئاسي، مشيراً إلى أن السلطة المحلية قد ساهمت في تعزيز موقف رئيس المجلس، رشاد العليمي، على حساب بقية الأعضاء. وأوضح أن هذه النزعة قد تؤدي إلى عدم استقرار عمل المجلس، وتزيد من تعقيد الأوضاع في حضرموت.

وأشار إلى أن هناك مخاوف من محاولات السلطة المحلية لتمكين حزب المؤتمر الشعبي العام من مفاصل المحافظة، مما يتعارض مع تطلعات سكان حضرموت. كما انتقد التميمي تصرفات السلطة التي تتجاهل الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، داعياً إلى محاسبة شاملة.

وفيما يتعلق بالحركة الاحتجاجية التي يقودها الوكيل الأول، عمرو بن حبريش، أشار التميمي إلى أن هذه الحركة تأتي في ظل تراجع صلاحياته، مما يتطلب منه إعادة تقييم الوضع وضرورة توحيد الصفوف بدلاً من الانقسام.

وفي ختام تحليله، دعا التميمي جميع الأطراف إلى اتخاذ مواقف واضحة بشأن الأزمات التي تشهدها حضرموت، مشيراً إلى أهمية الوحدة والتوافق لتحقيق الاستقرار. وأكد أن هذه القراءة ليست استهدافاً لأي طرف، بل هي مساهمة لفهم الأمور بشكل أفضل.

نص القراءه السياسية
(‏بسم الله الرحمن الرحيم

قراءة في المشهد السياسي الحضرمي

مقدّمة لابد منها :

دون توصيف الحالة الراهنة ، وتشخيص الخطاب السياسي للأطراف المتصارعة او المختلفة في حضرموت ، يصبح الحديث عن مبادرات لم الشمل غير ذي جدوى .

أغلب المبادرات التي سعى اصحابها بنية صادقة لتجنيب حضرموت الفتنة ، لم تقترب من توصيف الحالة ، ربما حرصاً من أصحابها ، على ان لايحسبوا على أي من الأطراف ، واعتقادهم أن متطلبات الوساطة تستدعي هذا الغموض .

لكن الحالة الضبابية تستدعي التوصيف والمكاشفة ، لأنه لن تنجح أي مبادرة للم الشمل إلّا بقراءة المواقف المعلنة وغير المعلنة لأطراف الأزمة ومواجهتهم بها ، وتبصير المجتمع بمواضيع الخلاف والاختلاف ، حتى يتمكّن المصلحون واصحاب المبادرات من تقريب وجهات النظر ، وتوسيع دائرة المشتركات ( وهي واسعة بالفعل ) وتنبيه الأطراف ، وبلغة واضحة لخطورة بعض المواقف التي يتبنونها علناً او مواربةً ، على حضرموت وأمنها ومستقبلها .

‏لذلك أجد نفسي مضطرا للقيام بهذه المهمة ، وهي مجرّد إلقاء حجر في بركة الأزمة ، علّها تنتج دوائر وعي .. علّها تولّد قبساً يستكشف دواخل الفاعلين الاساسيين في الأزمة .
ومن يدري لعل الأكثرية منهم قد انساقوا لهذه المواقف المتشدّدة وهم في غمرة الصراع والملاسنات الكلامية ، فكثير من النقلات الخطيرة اثناء الازمات تتم بدافع من عصبيات شخصية .. لذلك فإن هذا الجهد المتواضع اعتقد انه مفيد اولاً لرموز الأزمة لمعرفة المواضع التي باتوا يقفون عليها ، ومفيد كذلك للساعين للصلح ونزع فتيل الأزمة .

‏• فريق السلطة المحلية ممثلا بالمحافظ السيد مبخوت بن ماضي وأغلبية الوكلاء ومدراء العموم :

– من خلال الخطاب الاعلامي والتحركات السياسية ، يستطيع المراقب أن يدرك مايلي :

– أن السلطة المحلية بالمحافظة باتت تتعاطى مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي السيد رشاد العليمي ، بأنّه صاحب الصلاحيات الأوحد ، وتتجاهل تماماً ان المجلس الرئاسي قد تشكّل على اساس توافقي .
وبهذا اصبحت سلطة حضرموت المحلية سبباً في استقواء السيد العليمي على بقية أعضاء مجلس القيادة الرئاسي ، بمن فيهم ممثل حضرموت في المجلس اللواء فرج سالمين البحسني .
فمن المعلوم ان الورقة الأقوى للسيد العليمي هي كونه توافقيّاً مسنوداً من الاقليم والمجتمع الدولي ، أمّا على الصعيد الداخلي فأن عدداً من أعضاء المجلس يفوقونه نفوذا وتأثيراً .
إن هذا الوضع للسيد العليمي لايشكل نقيصة له البتة ، بل هو ميزة لصالح التوافق والحفاظ على وحدة المجلس الرئاسي .
لقد ساهمت سلطة حضرموت في زعزعة حالة التوازنات ، بمنح السيد العليمي صفة المتحكم الاوحد في حضرموت دون موافقة بقية اعضاء المجلس .
إن تشجيع هذه النزعة لدى العليمي ، ليس لصالح استقرار عمل مجلس الرئاسة ذاته ، ولن تستفيد حضرموت من هذا الأمر شيئاً ، وسيجلب لحضرموت مشاكل ، أقلّها ماتمر به المحافظة حاليا . وما تزامن تفاقم الازمة في حضرموت وبروزها للعلن ، مع زيارة العليمي للمكلا ، إلّا دليلا على وجوب إعادة النظر وإعادة صياغة العلاقة بين السلطة المحلية ، والمجلس الرئاسي ، وفق مضامين اعلان المجلس والصلاحيات المحددة للمجلس ، وعلى السلطة المحلية بحضرموت أن تدرك أن واقعا جديداً قد تخلّق بعد التحرير لايسمح بانتاج نسخة اخرى من الرئيس علي عبدالله صالح رحمه الله .

‏* منذ تعيين السيد مبخوت بن ماضي محافظاً لحضرموت ، يتردّد بين الاوساط السياسية والاعلامية في حضرموت حديثاً عن تمكين ممنهج لحزب الموتمر الشعبي العام من مفاصل المحافظة ، وفي بعض تعيينات المحافظ مايبرر هذا الحديث ، فالمتمعّن في الأسماء الممسكة بزمام المفاصل الاساسية بالمحافظة يلتمس هذا التوجّه ، وكذلك يلتمس محاولات حثيثة لتبييض صفحات بعض الذين ارتبطوا بفترة استباحة حضرموت ، وفترة الاغتيالات الممنهجة التي طالت اكثر من ٣٠٠ كادر عسكري وأمني في حضرموت والتي قيدت جميعها ضد مجهول ، ولم تتوقف هذه الاغتيالات إلّا بعد تحرير ساحل وهضبة حضرموت من القاعدة وانتشار قوات النخبة الحضرمية .
ان محاولات سلطة حضرموت لإعادة انتاج المؤتمر الشعبي العام كمنظومة حكم ، أمر يتعارض مع المعطيات والوقائع على الارض ، وهي بدعة في حضرموت وخطوة غير مدروسة ، لم يقدم عليها حتى رموز المؤتمر الشعبي امثال السيد طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي في مناطق سيطرته ونفوذه في الساحل الغربي .

‏• حديث السلطة المحلية عن مؤسسات الدولة وضرورة احترامها ، يأتي في أحيان كثيرة في غير موضعة ، بل يأتي أحيانا للدفاع الضمني عن وضع غير سوي يسود هذه المؤسسات . ان حديث السلطة عن رفض اي تدخل مجتمعي لمحاربة الفساد المستشري ، واقتصار أمر المحاسبة على هيئة مكافحة الفساد حصريّاً ، يجافي المنطق السوي ، لأنه باختصار لا المؤسسات الاقتصادية الكبرى تدار بطريقة سويّة ( بترو مسيلة وشركة الكهرباء وشركة النفط مثلا ) ، ولا هيئة مكافحة الفساد في وضع يسمح لها بالمراقبة والمحاسبة ، او حتى التدخّل المؤثر لكبح جماح الفساد المستشري او التقليل منه .

* هناك خشية من امتثال السلطة المحلية في حضرموت لرغبات رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ، لانتشار قوات درع الوطن في نفس مناطق انتشار قوات النخبة الحضرمية ، وهذا أمر غير مبرر بكل المقاييس ، وأوّلها المقاييس العسكرية ، لأن لكل قوة مسرح عمليات وانتشار . وقوات النخبة اثبتت قدرة فائقة في حفظ الأمن والاستقرار في مناطق انتشارها ، لذلك فإن انتشار اي قوة اخرى في ذات الجغرافيا هو استهداف واضح للنخبة الحضرمية .
لذلك مطلوب من السلطة موقفاً واضحاً لالبس فيه فيما يخص النخبة الحضرمية . وبإمكان قوات درع الوطن ان تنتشر في أماكن أخرى في المحافظة تشهد انفلاتاً أمنيّاً واضحاً .

‏* تختزل السلطة المحلية الحركة الاحتجاجية التي وصلت ذروتها بالحشد في الهضبة ، في شخص الوكيل الاول بالمحافظة عمرو بن حبريش ، وتعتقد ان كونه جزءا من منظومة الحكم بالمحافظة ، لاتعطيه الحق في الاحتجاج ، وهذا التعاطي غير منطقي ، فالمفترض التعاطي مع المطالب وليس مع متصدّري المطالبين بتحقيقها ، وبعيداً عن الخوض في طموحات عمرو وأهدافه ، حريُّ بالسلطة البحث عن مخرج حقيقي للمشكلة بعيداً عن لجان العليمي ، الذي ارتبطت زياراته للمكلا ببروز الصراع واحتدامه في المحافظة .

‏* يعتقد بعض المراقبين للمشهد السياسي ان زيارتي السيد العليمي للمكلا وفي اوقات متقاربة ، تهدف إلى مركزة صلاحيات مجلس القيادة الرئاسي في شخص العليمي ، عبر إظهاره انه صاحب الكلمة الفصل في مصير المحافظة ذات الثقل ، وتهدف كذلك إلى مركزة قرار السلطة المحلية في شخص المحافظ بن ماضي دون سواه ، وتهميش المكونات والشخصيات الحضرمية ، بمن في ذلك اللواء الركن فرج البحسني ممثل حضرموت في مجلس الرئاسة .

هذه القضايا اعتقد انها جوهرية ، ومتطلب لابد من استيعابه من قبل الساعيين للصلح ، وليس بالضرورة اث يتفقوا مع هذه القراءة بحذافيرها ، .لكن ينبعي أن يكونوا متسلحين برؤيا فاحصة لحقيقة مايعتمل في المحافظة ومكاشفة الطرفين بذلك .

……………………… ..

‏فريق رئيس حلف قبائل حضرموت وكيل المحافظة عمرو بن حبريش :

في أوقات سابقة ، اتخذ المقدم عمرو بن حبريش مواقف احتجاجية وصلت حد مغادرة المكلا ، والإقامة في منطقته غيل بن يمين . ولم يعلن السيد عمرو حينها أسباب إقدامه على هذه الخطوة ، لكن التسريبات التي رشحت أشارت إلى أن أسباب الاحتجاج كانت تقليص الصلاحيات والامكانيات التي كانت تحت تصرفه أبان فترة رئاسة عبدربه منصور هادي .

– الحركة الاحتجاجية الاخيرة تزامنت مع الحديث عن صفقة قادمة بين الشرعية والحوثيين لتقاسم عائدات نفط حضرموت ، وهذا الأمر اعطى دفعة شعبية للدعوة للاحتشاد ، لكنه في ذات الوقت ، تلزم عمرو على إعلان موقف صريح من الترتيبات الاقليمية لمنح الحوثي جرء من عائدات نفط حضرموت .

– الحركة الاحتجاجية الاخيرة تأتي في ظل تراجع صلاحيات عمرو بصفته وكيل اول بالمحافظة ، وبصفته رئيس مؤتمر حضرموت الجامع ، بعد أن أقدم عدد غير قليل من قيادات ومنتسبي مؤتمر حضرموت الجامع على تشكيل كيان موازي للجامع بمسمى ( كتلة وجامع حضرموت من اجل حضرموت والجنوب ) ، وبحسب بيانات وتصريحات قيادات الكتلة ان سبب إشهار الكتلة يعود لتفرّد عمرو بالقرار ورفضه تفعيل اللوائح الداخلية للجامع الحضرمي ، وهذا الأمر يجعل طموح عمرو لقيادة حركة الاحتجاجات المطلبية في حضرموت ليست بذات الفاعلية السابقة التي قاد بها الهبة الحضرمية الاولى عام ٢٠١٣ .
لذلك فإنه كان الأولى به تصحيح وضع الجامع اولاً قبل الإقدام على أي عمل تصعيدي لنيل حقوق حضرموت .

* دعوة عمرو بن حبريش للسيطرة على مقدرات المحافظة ، دعوة غير مفهومة بالمدلول العسكري ، ، فحقول النفط تحرسها قوات حضرمية أصلاً ، وهذه القوات في حالة التوافق الحضرمي على تحديد نسبة معينة من العائدات للمحافظة ، فإنها ستكون الضامن الحقيقي لانتزاع هذا المطلب . لذلك فإن المطلوب من الحركة الاحتجاجية التي يقودها عمرو الاشتغال سياسياً وتوسيع دائرة الإصطفاف الحضرمي ، وليس اتخاذ موقف مثير للانقسام ، ومفتوح على احتمالات غير مدروسة .

* عند حديث عمرو وبعض الرموز المقربين منه عن ثروات حضرموت ، وحرمان ابنائها منها ، جرى الحديث عن فساد متنفذي الشرعية فقط ، ولم يتم الحديث عن المتسبب الحقيقي في وقف التصدير ، لم يتم الحديث مطلقاً عن من ارسل طائراته وقصف منشآت ومقدرات حضرموت ، ومس كرامة حضرموت وكبريائها في مقتل وهو الحوثي الذي يتربّص بحضرموت .
لذلك فإنّه مطلوب من المحتشدين في الهضبة إعلان موقف واضح من مليشيات الحوثي ، ومطلوب كذلك إعلان موقف حازم وصريح يرفض منح الحوثي نسبة من نفط حضرموت .

* صدرت تصريحات غير مطمئنة من قبل بعض المقربين من عمرو بن حبريش ، هذه التصريحات تنم عن عدم حرص على النخبة الحضرمية التي كان لحلف قبائل حضرموت دور محوري في تكوينها . فقد صرّح قائد أمن وادي حضرموت السابق ، وبحضور عمرو بن حبريش بأن الوقت قد حان لتشكيل قوات موازية لمساعدة النخبة الحضرمية . ان الحديث عن قوات موازية من قبل شخص لم يكن ناجحاً اثناء تولّيه قيادة أمن وادي حضرموت ، وشهدت مناطق الوادي في عهده عمليات اغتيالات ، قُيّدت كلها ضد مجهول ، حديث غير مطمئن .
*
وفي ذات السياق أعلن وكيل المحافظة لشؤون مديريات الساحل العمودي الشروع الفعلي في تشكيل قوات عسكرية ، دون الاشارة الى مصادر التمويل والتسليح وطبيعة المهام ، ومسرح عمليات انتشارها ، وهذا الأمر في غاية الخطورة ، لذلك. ينبغي على من وضع على عاتقه مهمة لم الشمل في حضرموت أن يبحثه مع السيد عمرو وفريقه ، وتبيان خطورته على حضرموت .
.
.

إن القراءة السابقة لمواقف طرفي الأزمة في حضرموت ، هي مجرد جهد شخصي ، مساهمة مني لمساعدة المهتمين على فهم حيثيات المشهد .. وليست استهدافا لأي من الطرفين او التطاول على مقاماتهم .
فعلى الصعيد الشخصي أكن الاحترام والتقدير لشخص السيد المحافظ بن ماضي وتربطني به علاقة شخصية ازعم أنها جيدة ، كما تربطني علاقة جيدة بالشيخ عمرو بن حبريش منذ ايام الهبة الحضرمية الاولى عام 2013 واستمرت هذه العلاقة وتوطدت عندما كنت رئيسا للمركز الاعلامي لمؤتمر حضرموت الجامع في فترة. الإعداد والتحضير حتى فترة الإشهار .

ولكن علاقتي بحضرموت تحتم علي المكاشفة والبوح بما أعتقد انه الحق .

وبالله التوفيق

* أنور صالح التميمي
مستشار سياسي وإعلامي

28 اغسطس 2024 )

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى